فصل: قال السمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم وصفه الله سبحانه فقال: {آتيناه رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} قيل: الرحمة هي النبوّة، وقيل: النعمة التي أنعم الله بها عليه {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} وهو ما علمه الله سبحانه من علم الغيب الذي استأثر به، وفي قوله: {من لدنا} تفخيم لشأن ذلك العلم، وتعظيم له.
قال الزجاج: وفيما فعل موسى وهو من جملة الأنبياء من طلب العلم، والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه.
ثم قصّ الله سبحانه علينا ما دار بين موسى والخضر بعد اجتماعهما فقال: {قَالَ لَهُ موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْدًا} في هذا السؤال ملاطفة ومبالغة في حسن الأدب، لأنه استأذنه أن يكون تابعًا له على أن يعلمه مما علمه الله من العلم.
والرشد الوقوف على الخير وإصابة الصواب، وانتصابه على أنه مفعول ثانٍ لـ: {تعلمني} أي: علمًا ذا رشد أرشد به، وقرئ: {رشدًا} بفتحتين، وهما لغتان كالبخل والبخل.
وفي الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب، وليس في ذلك ما يدل على أن الخضر أفضل من موسى، فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل وقد يأخذ الفاضل عن المفضول إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر، فقد كان علم موسى علم الأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها، وكان علم الخضر علم بعض الغيب ومعرفة البواطن.
{قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا} أي: قال الخضر لموسى: إنك لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي، لأن الظواهر التي هي علمك لا توافق ذلك، ثم أكد ذلك مشيرًا إلى علة عدم الاستطاعة، فقال: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} أي: كيف تصبر على علم ظاهره منكر، وأنت لا تعلم، ومثلك مع كونك صاحب شرع لا يسوغ له السكوت على منكر والإقرار عليه، و{خبرًا} منتصب على التمييز، أي: لم تحط به خبرك، والخبر: العلم بالشيء، والخبير بالأمور هو: العالم بخفاياها، وبما يحتاج إلى الاختبار منها.
{قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله صَابِرًا} أي: قال موسى للخضر: ستجدني صابرًا معك، ملتزمًا طاعتك {وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْرًا} فجملة: {ولا أعصي} معطوفة على {صابرًا}، فيكون التقييد بقوله: {إن شاء الله} شاملًا للصبر ونفي المعصية، وقيل: إن التقييد بالمشيئة مختص بالصبر، لأنه أمر مستقبل لا يدري كيف يكون حاله فيه، ونفي المعصية معزوم عليه في الحال، ويجاب عنه بأن الصبر، ونفي المعصية متفقان في كون كل واحد منهما معزوم عليه في الحال، وفي كون كل واحد منهما لا يدري كيف حاله فيه في المستقبل.
{قَالَ فَإِنِ اتبعتنى فَلاَ تَسْأَلْنى عَن شَىء} مما تشاهده من أفعالي المخالفة لما يقتضيه ظاهر الشرع الذي بعثك الله به {حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} أي: حتى أكون أنا المبتدىء لك بذكره، وبيان وجهه وما يئول إليه، وهذه الجمل المعنونة بقال وقال مستأنفة، لأنها جوابات عن سؤالات مقدّرة كل واحدة ينشأ السؤال عنها مما قبلها.
وقد أخرج الدارقطني في الإفراد، وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الخضر ابن آدم لصلبه ونسيء له في أجله حتى يكذب الدجال.
وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء» وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عباس.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن مجاهد: إنما سمي الخضر لأنه إذا صلى اخضرّ ما حوله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد في قوله: {لا أَبْرَحُ حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين} قال: حتى أنتهي.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {مَجْمَعَ البحرين} قال: بحر فارس والروم، وهما نحو المشرق والمغرب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الربيع بن أنس مثله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبيّ بن كعب قال: {مَجْمَعَ البحرين} إفريقية.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب قال: طنجة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أَوْ أَمْضِىَ حُقُبًا} قال: سبعين خريفًا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال: دهرًا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} قال: كان مملوحًا مشقوق البطن.
وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: {فاتخذ سَبِيلَهُ في البحر سَرَبًا} قال: أثره يابس في البحر كأنه في حجر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فارتدا على ءاثَارِهِمَا قَصَصًا} قال: عودهما على بدئهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} قال: أعطيناه الهدى والنبوّة.
واعلم أنها قد رويت في قصة الخضر مع موسى المذكورة في الكتاب العزيز أحاديث كثيرة، وأتمها وأكملها ما روي عن ابن عباس ولكنها اختلفت بعض الألفاظ، وكلها مروية من طريق سعيد بن جبير عنه، وبعضها في الصحيحين وغيرهما، وبعضها في أحدهما، وبعضها خارج عنهما.
وقد رويت من طريق العوفي عنه كما أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، ومن طريق هارون بن عنترة، عن أبيه، عنه عند ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخطيب، وابن عساكر، فلنقتصر على الرواية التي هي أتمّ الروايات الثابتة في الصحيحين، ففي ذلك ما يغني عن غيره، وهي: قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل، قال ابن عباس: كذب عدوّ الله.
حدّثنا أبيّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل. فسئل أيّ الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ، فأخذ حوتًا فجعله في مكتل. ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه: {آتنا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذا نَصَبًا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، فقال له فتاه: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة فَإِنّى نَسِيتُ الحوت وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ واتخذ سَبِيلَهُ في البحر عَجَبًا} قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى وفتاه عجبًا، فقال موسى: {ذلك مَا كُنَّا فارتدا على ءاثَارِهِمَا قَصَصًا}» قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة لا يصيب ماؤها ميتًا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه. فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنيّ بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى نبي إسرائيل؟ قال: نعم، قال: أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا، قال: {إنك لن تستطيع معي صبرًا} يا موسى، إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من الله علمك الله لا أعلمه، قال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} فقال له الخضر: {فَإِنِ اتبعتنى فَلاَ تَسْأَلْنى عَن شيء حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا؟ قال: ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرا قال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا}.
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فكانت الأولى من موسى نسيانًا».
قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور الذي وقع على حرف السفينة من هذا البحر. ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شيء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْرًا فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعما أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} قال: مائل، فقال الخضر بيده هكذا فأقامه، فقال موسى: قوم آتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وددنا أن موسى كان صبر حتى يقصّ الله علينا من خبرهما».
قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ: {وَكَانَ أمامهم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} وكان يقرأ: {وَأَمَّا الغلام فَكَانَ كافرًا وكان أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} وبقية روايات سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبيّ بن كعب هي موافقة لهذه الرواية في المعنى وإن تفاوتت الألفاظ في بعضها فلا فائدة في الإطالة بذكرها، وكذلك روايات غير سعيد عنه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}.
قوله: {عِلْمًا}: مفعولٌ ثان لـ: {عَلَّمْناه}، قال أبو البقاء: ولو كان مصدرًا لكان تعليمًا. يعني لأنَّ فعلَه على فَعَّل بالتشديد، وقياسُ مصدرِه التفعيلُ.
و{مِن لَّدُنَّا} يجوز أن يتعلَّقَ بالفعلِ قبلَه، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ {عِلْمًا}.
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}.
قوله: {على أَن تُعَلِّمَنِ}: في موضعِ الحال من الكاف في {أَتَّبِعُك}، أي: أَتَّبِعُك باذلًا لي علمَك.
قوله: {رُشْدًا} مفعولٌ ثانٍ لـ: {تُعَلِّمَني}، لا لِقوله: {ممَّا عُلِّمْتَ}. قال أبو البقاء: لأنَّه لا عائد إذن على الذي. يعني أنه إذا تعدَّى لمفعولٍ ثانٍ غيرِ ضميرِ الموصولِ لم يَجُزْ أَنْ يتعدَّى لضميرِ الموصولِ؛ لئلاَّ يتعدَّى إلى ثلاثةٍ، ولكن لابد مِنْ عائدٍ على الموصول.
وقد تقدَّم خلافُ القرَّاء في {رُشْدا} في سورة الأعراف. وهل هما بمعنى واحدٍ أم لا؟
{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}.
قوله: {خُبْرًا}: فيه وجهان، أحدُهما: أنه تمييزٌ لقوله: {تُحِطْ} وهو منقولٌ مِنَ الفاعليةِ، إذ الأصل: مما لم يُحِطْ به خَبَرُك. والثاني: أنه مصدرٌ لمعنى لم تُحِط، إذ هو في قوة: لم يُخْبِرْه خُبْرًا. وقرأ الحسن: {خُبُرًا} بضمتين.
{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}.
قوله: {وَلاَ أَعْصِي}: فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدُها: أنََّها لا محلَّ لها من الإِعراب لاستئنافِها. وفيه بُعْدٌ. الثاني: أنها في محلِّ نصبٍ عطفًا على {سَتَجِدُني} لأنَّها منصوبةُ المحلِّ بالقول. وقال الشيخ: ويجوزُ أَنْ يكونَ معطوفًا على {سَتَجِدُني} فلا يكونُ له محلٌّ من الإِعراب؟ وهذا سَهْوٌ؛ فإنَّ {ستجِدُني} منصوبُ المحلِّ لأنه منصوبٌ بالقول، فكذلك ما عُطِفَ عليه، ولكن الذي غَرَّ الشيخَ أنَّه رأى كلامَ الزمخشري كذلك، ولم يتأمَّلْه فتبعه في ذلك، فمن ثَمَّ جاء السهو. قال الزمخشري: {ولا أَعْصِي}: في محلِّ النصبِ عطفًا على {صابرًا}، أي: ستجدني صابرًا وغيرَ عاصٍ. أو {لا} في محلِّ عطفًا على {سَتَجِدُني}.
الرابع: أنَّه في محلِّ نصبٍ عطفًا على {صابرًا} كما تقدَّم تقريرُه.
{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}.
قوله: {فَلاَ تَسْأَلْني}: قد تقدَّم خلافُ القُرَّاء في هذا الحرفِ في سورة هود: وقرأ أبو جعفر هنا بفتحِ السينِ واللامِ وتشديدِ النونِ من غيرِ همزٍ. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الاتباع:
وقد ورد في التَّنزيل على سبعة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى الصّحبة: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ} أي أَصحَبُك، {وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} أي صَحِبك.
الثانى: بمعنى الاقتداءِ والمتابعة: {اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا}: اقتدروا به.
الثَّالث: بمعنى الثبات والاستقامة: {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} أي دُم واثْبتْ عليها.
الرّابع: بمعنى الاختيار والموافقة: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}.
الخامس: بمعنى العمل: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي عمِلوا به.
السّادس: بمعنى التَّوجُّه إِلى الكعبة، أَو إِلى بيت المقدس في الصّلاة {مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ}.
السّابع: بمعنى الطاعة {لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا} أي لأَطعتم.
والمادّة موضوعة للقَفْو، تبِعه واتَّبعه أي قفا أَثره.
وذلك تارة بالجسم، وتارة بالارتسام والائتمار.
وعلى ذلك قوله تعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ}.
ويقال أَتبعه إِذا لحِقه؛ كقوله- تعالى- {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} ويقال: أُتْبع فلا بملئِ أي أحيل عليه.
وتُبّع كانوا رءوسًا، سُمّوا بذلك لاتِّباع بعضهم بعضا في الرّياسة والسياسة.
والتُّبَّع: الظِّل.
والمُتْبع من البهائم: التي يتبعها ولدها.
والتّبِيع خُصّ بولد البقرة إِذا اتَّبع أُمّه. اهـ.